ما معنى كلمة ثقلت موازينه

خواص دارویی و گیاهی

ما معنى كلمة ثقلت موازينه
ما معنى كلمة ثقلت موازينه

Copy Right By 2016 – 1395

ثقلت موازينه: رجحت كفة أعماله الصالحة

الثقل والخفة متقابلان، فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدر به يقال: هو ثقيل، وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني، نحو: أثقله الغرم والوزر. قال الله تعالى: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون [الطور/40]، والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم، وهو أكثر في التعارف، وتارة في المدح نحو قول الشاعر: – 81 – تخف الأرض إذا ما زلت عنها *** وتبقى ما بقيت بها ثقيلا – 82 – حللت بمستقر العز منها *** فتمنع جانبيها أن تميلا (الأشطار الثلاثة الأولى لزهير بن أبي سلمى، والأخير لابنه كعب، ولها قصة انظرها في أمالي المرتضى 1/97. وهما في ديوان زهير ص 71؛ وبصائر ذوي التمييز 1/334) ويقال: في أذنه ثقل: إذا لم يجد سمعه، كما يقال: في أذنه خفة: إذا جاد سمعه. كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه، وقد يقال: ثقل القول إذا لم يطلب سماعه، ولذلك قال في صفة يوم القيامة: ثقلت في السموات والأرض [الأعراف/187]، وقوله تعالى: وأخرجت الأرض أثقالها [الزلزلة/2]، قيل: كنوزها، وقيل: ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث، وقال تعالى: وتحمل أثقالكم إلى بلد [النحل/7]، أي: أحمالكم الثقيلة، وقال عز وجل: وليحملن أثقالهم أثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/13]، أي: آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب، كقوله تعالى: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [النحل/25]، وقوله عز وجل: انفروا خفافا وثقالا [التوبة/41]، قيل: شبانا وشيوخا (راجع في تفسير الآية الدر المنثور 4/208)، وقيل: فقراء وأغنياء، وقيل: غرباء ومستوطنين، وقيل: نشاطا وكسالى، وكل ذلك يدخل في عمومها، فإن القصد بالآية الحث على النفر على كل حال تصعب أو تسهل. والمثقال: ما يوزن به، وهو من الثقل، وذلك اسم لكل سنج قال تعالى: وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [الأنبياء/47]، وقال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *** ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة/7 – 8]، وقوله تعالى: فأما من ثقلت موازينه *** فهو في عيشة راضية [القارعة/6 – 7]، فإشارة إلى كثرة الخيرات، وقوله تعالى: وأما من خفت موازينه [القارعة/8]، فإشارة إلى قلة الخيرات. والثقيل والخفيف يستعمل على وجهين: أحدهما على سبيل المضايفة، وهو أن لا يقال لشيء ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره، ولهذا يصح للشيء الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه، وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه، وعلى هذه الآية المتقدمة آنفا. والثاني أن يستعمل الثقيل في الأجسام المرجحة إلى أسفل، كالحجر والمدر، والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان، ومن هذا الثقل قوله تعالى: اثاقلتم إلى الأرض [التوبة/38].

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

6 الفاتحة *أضغط هنا لعرض كامل السورة

تفسير بن كثير

لما تقدم الثناء على المسئول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسئوله ثم يسأل حاجته، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة ولهذا أرشد اللّه إليه لأنه الأكمل. والهداية ههنا: الإرشاد والتوفيق وقد تُعدَّى بنفسها { اهدنا الصراط} وقد تعدى بإلى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وقد تُعدى باللام { الحمد للّه الذي هدانا لهذا} أي وفقنا وجعلنا له أهلا، وأمّا { الصراط المستقيم} فهو في لغة العرب: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السلف الخلف في تفسير { الصراط} ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة للّه وللرسول فروي أنه كتاب اللّه، وقيل: إنه الإسلام، قال ابن عباس: هو دين اللّه الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن الحنفية: هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث “”النواس بن سمعان””عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويْحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود اللّه، والأبواب المفتحة محارم اللّه وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب اللّه، والداعي من فوق الصراط واعظ اللّه في قلب كل مسلم “”رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي””وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الحق، وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، قال ابن جرير رحمه اللّه والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وُفِّق لما وفِّق له من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام. فإن قيل : فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك؟ فالجواب: أن العبد مفتقر في كل ساعةٍ وحالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراره عليها، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان: { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله} ، والمراد الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم.

تفسير الجلالين

ما معنى كلمة ثقلت موازينه

{ اهدنا الصراط المستقيم } أي أرشدنا إليه، ويبدَل منه:

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ .’

تفسير القرطبي

السابعة والعشرون: قوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم} اهدنا دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك. قال بعض العلماء : فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعا في هذه السورة، نصفها فيه مجمع الثناء ونصفها فيه مجمع الحاجات، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي يدعو به [الداعي] لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث : (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء). وقيل المعنى : أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك وقيل: الأصل فيه الإمالة ومنه قوله تعالى { إنا هُدنا إليك} [الأعراف:156] أي ملنا، وخرج عليه السلام في مرضه يتهادى بين اثنين، أي يتمايل. ومنه الهدية لأنها تمال من مِلك إلى مِلك. ومنه الهدي للحيوان الذي يساق إلى الحرم، فالمعنى مل بقلوبنا إلى الحق. وقال الفضيل بن عياض { الصراط المستقيم} طريق الحج، وهذا خاص والعموم أولى. قال محمد ابن الحنفية في قوله عز وجل { اهدنا الصراط المستقيم} : هو دين الله الذي لا يقبل من العبادة غيره. وقال عاصم الأحول عن أبي العالية { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده. قال عاصم فقلت للحسن: إن أبا العالية يقول { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه قال : صدق ونصح. الثامنة والعشرون: أصل الصراط في كلام العرب الطريق، قال عامر بن الطفيل : شحنَّا أرضهم بالخيل حتى ** تركناهم أذل من الصراط وقال جرير : أمير المؤمنين على صراط ** إذا اعوج الموارد مستقيم وقال آخر : فصدّ عن نهج الصراط الواضح ** حكى النقّاش : الصراط الطريق بلغة الروم، فقال ابن عطية : وهذا ضعيف جدا. وقرئ : السراط بالسين من الاستراط بمعنى الابتلاع، كأن الطريق يسترط من يسلكه. وقرئ بين الزاي والصاد. وقرئ بزاي خالصة والسين الأصل. وحكى سلمة عن الفراء قال : الزراط بإخلاص الزاي لغة لعُذرة وكلب وبني القَيْن قال : وهؤلاء يقولون [في أصدق]: أزدق. وقد قالوا : الأزْد والأسْد، ولسق به ولصق به. و { الصراط} نصب على المفعول الثاني لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر، قال الله تعالى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23 ]. وبغير حرف كما في هذه الآية. { المستقيم} صفة لـ { الصراط} وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ومنه قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} [الأنعام: 153 ]. وأصله مستقوم، نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

الشيخ الشعراوي – فيديو

سورة الفاتـحة الايات 1 – 7

سورة الفاتحة الايات 5 – 7

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد أن آمنت بالله سبحانه وتعالى إلها وربا.. واستحضرت عطاء الألوهية ونعم الربوبية وفيوضات رحمة الله على خلقه. وأعلنت أنه لا إله إلا الله. وقولك: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي أن العبادة لله تبارك وتعالى لا نشرك به شيئا ولا نعبد إلا إياه.. وأعلنت انك ستستعين بالله وحده بقولك: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }. فانك قد أصبحت من عباد الله. ويعلمك الله سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه كل مؤمن.. ومادامت من عباد الله، فإن الله جل جلاله سيستجيب لك.. مصداقا لقوله سبحانه: {  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]. والمؤمن لا يطلب الدنيا أبدا.. لماذا؟.. لأن الحياة الحقيقية للانسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلا أن يرزقه الله مالا كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلا.. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل.. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله الى الجنة..ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب.. وهذا يستوجب الحمد لله.. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا.. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم.. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه.. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد..هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه.. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه.. ولكن هل كل من بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟.. نقول لا.. واقرأ قوله جل جلاله: {  وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [فصلت: 17].إذن هناك من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له.. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين.. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة.. ما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد الله الشرعي في كونه؟الذين اتبعوا طريق الهداية يعينهم الله سبحانه وتعالى عليه ويحببهم في الإيمان والتقوى ويحببهم في طاعته.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {  وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17].أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه.. ويزيده تقوى وحبا في الدين.. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه.. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى: {  وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36].والله سبحانه وتعالى قد بين لنا المحرومين من هداية المعونة على الايمان وهم ثلاثة كما بَيَّنْهُم لنا في القرآن الكريم: {  ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [النحل: 107]. {  ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108] {  أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258].إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الايمان.. هم الكافرون والفاسقون والظالمون.. الحق سبحانه وتعالى يقول: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ما هو الصراط؟.. إنه الطريق الموصلة الى الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم.. وهو أقصر الطرق الى تحقيق الغاية.. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما..ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي الى بُعد كبير..ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد.. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات.. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات.. إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا.. ولذلك فإن الدعاء: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات.. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى الغاية.. وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة.. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي. انه اذا قال العبد: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.يقول الحق تبارك وتعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ما معنى { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }؟.. اقرأ الآية الكريمة: {  وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [النساء: 69].وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. أي أنك تطلب من الله جل جلاله.. أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة.. فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة.. لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم.. وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه. والذي يوصلك في أسرع وقت الي الدرجة العالية في الآخرة.وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).. تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله. ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا.. ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى.. واذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى.. فكيف بنعم الآخرة؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها: {  لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35].أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ـ ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد.. ولذلك فانه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم.. وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا، ولكن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها.. فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه. فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن أخترع وصار له مفهوم محدد. تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها.. فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه. ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة واخرى. لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها..ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية، فإنه لا توجد الفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه اهل الجنة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب.. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط.ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في القرآن الكريم يقول: {  مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15].أي أن هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك الى الاذهان.. لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة.وقوله تعالى: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم }.. أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الاعانة.. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه.ومعنى غير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } أي يا رب لا تيسر لن الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل..وقد وردت كلمة { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } في القرآن الكريم في قوله تعالى: {  قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60].وهذه الآيات نزلت في بني اسرائيل.وقول الله تعالى: ” ولا الضالين ” هناك الضال والْمُضِل.. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله.. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله.. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل الى ما يريد أن يصل إليه.. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم.. هذا هو الضال.. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى.. بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضلالة.. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله.. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه.. الا المضل فانه يحمل ذنوبه وذنوب من اضلهم. مصداقا لقوله سبحانه: {  لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25].أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة.. فأنك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا.. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأتِ هنا بالمضلين. نقول انك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا.. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين. لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا.بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب.. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها.. أهي عربية أم غير عربية.وهنا يثور سؤال.. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه اذا خوطب به العرب فهموه.. وهناك الفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن.. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الاذان العربية..فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها.. وانما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعا. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي.. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف.. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة.. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل.. اذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل.. واذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة.. ولكن اذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل.. واذا قلت ” في ” دَلَّتْ على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد ان تقول الماء في الكوب.. أو فلان على الفرس.. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له.. والفعل يحتاج الي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج الي زمن..اذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه.. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه.. والحرف دل على معنى غير مستقل.. ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند اليه تاء الفاعل.. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم.. ولكن الاسم لا يضاف اليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت.. اذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج الى زمن.. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فانه يكون اسم على فعل.آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل.. معناه استجب.. فأنت حين تسمع كلمة ” آه ” انها اسم لفعل بمعنى أتوجع.. وساعة تقول ” أف ” اسم فعل بمعنى اتضجر.. وآمين اسم فعل بمعنى استجب.. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين.. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي.. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فانك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. واذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الامام وهو يقرأ الفاتحة.. ثم تقول آمين. لأن المأموم أحد الداعين.. الذي دعا هو الامام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء.. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على اموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى: {  قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [يونس: 89].أي أن الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجهٌ الى موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا.. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء.

لمسات بيانية – للدكتور / فاضل صالح السامرائي

( اهدنا الصراط المستقيم )
هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على أهمية الطلب وهذا الدعاء لان له أثره في الدنيا والآخرة ويدل على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. إذا ترك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم وبما أن هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)
والهداية : هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل ” اهدنا الصراط المستقيم ” (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الأعراف 43) (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات آية 17)

ذكر أهل اللغة أن الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه أن التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا ” هديته الطريق ” قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) أبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق ، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (إبراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
التعدية باللام وإلى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) (يونس آية 35)
وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج الى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخص ما سبق على النحو التالي:
-إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
-إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه .
-إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام .

الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن لان الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الإسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35)
قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
– (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدى) (يونس آية 35)
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل إلى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات ، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
– (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة آية 16)
استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بإلى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى)
نعود إلى الآية ” اهدنا الصراط المستقيم ” (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.

وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه إيانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم بـ ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تقيد الاختصاص ولا يجوز أن نقول إيانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي أحداً غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
فلم قال ( اهدنا ) ولم يقل اهدني؟
لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً.
فيه إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب ، فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.

لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم ) فيه شيء من التثبيت والاستئناس ، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال ( إياك نعبد وإياك نستعين )فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق أو السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين ، أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة ” الصراط ” تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف : الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).

اسباب النزول – أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي

القولُ في آية التسمية وبيان نزولها
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري، حدَّثنا محمد بن يحيى بن مَنْدَه، حدَّثنا أبو كُرَيْب، حدَّثنا عثمان بن سعيد، حدَّثنا بشر بن عمارة عن أبي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس، أنه قال:
أول ما نزلَ به جبريل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: يا محمد استعذ ثم قل: { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق، حدَّثنا إسماعيل بن أحمد الخلاَّلي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب. حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال:
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن علي الذُّهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي، عن عبد الله بن أبي حسين، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال:
كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الْحَرشِيّ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا محمد بن عيسى بن أبي فُدَيْك، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال:
نزلت { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} . في كل سورة.
القول في سورة الفاتحة
اختلفوا فيها: فعند الأكثرين: هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي؛ حدَّثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قالا: حدَّثنا يحيى بن [أبي] بكير، حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مَيْسَرَة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك. قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله أشهد وأن محمداً رسول الله، ثم قال: قل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
وهذا قول علي بن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر، قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المَرْوَزِيّ، حدَّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدَّثنا أبو يحيى القَصْرِي، حدَّثنا مروان بن معاوية عن العلاء بن المسيب، عن الفضيل بن عمرو، عن علي بن أبي طالب قال:
نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
وبهذا الإسناد عن السعدي: حدَّثنا عمرو بن صالح، حدثنا أبي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. فقالت قريش: دَقَّ الله فاك أو نحو هذا، قاله الحسن وقتادة.
وعند مجاهد: أن الفاتحة مدنية. قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة، وهذه بادرة من مجاهد؛ لأنه تفرد بهذا القول، والعلماء على خلافه. ومما يقطع به على أنها مكيه قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ} يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا يحيى بن أيوب، حدَّثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أُمَّ القرآن فقال: والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلَها، إنها لَهِيَ السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
وسورة “الحجر” مكية بلا اختلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة. ولا يسعنا القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب. هذا مما لا تقبله العقول.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

6 الفاتحة *أضغط هنا لعرض كامل السورة

تفسير بن كثير

لما تقدم الثناء على المسئول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسئوله ثم يسأل حاجته، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة ولهذا أرشد اللّه إليه لأنه الأكمل. والهداية ههنا: الإرشاد والتوفيق وقد تُعدَّى بنفسها { اهدنا الصراط} وقد تعدى بإلى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وقد تُعدى باللام { الحمد للّه الذي هدانا لهذا} أي وفقنا وجعلنا له أهلا، وأمّا { الصراط المستقيم} فهو في لغة العرب: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السلف الخلف في تفسير { الصراط} ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة للّه وللرسول فروي أنه كتاب اللّه، وقيل: إنه الإسلام، قال ابن عباس: هو دين اللّه الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن الحنفية: هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث “”النواس بن سمعان””عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويْحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود اللّه، والأبواب المفتحة محارم اللّه وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب اللّه، والداعي من فوق الصراط واعظ اللّه في قلب كل مسلم “”رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي””وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الحق، وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، قال ابن جرير رحمه اللّه والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وُفِّق لما وفِّق له من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام. فإن قيل : فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك؟ فالجواب: أن العبد مفتقر في كل ساعةٍ وحالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراره عليها، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان: { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله} ، والمراد الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم.

تفسير الجلالين

ما معنى كلمة ثقلت موازينه

{ اهدنا الصراط المستقيم } أي أرشدنا إليه، ويبدَل منه:

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ .’

تفسير القرطبي

السابعة والعشرون: قوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم} اهدنا دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك. قال بعض العلماء : فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعا في هذه السورة، نصفها فيه مجمع الثناء ونصفها فيه مجمع الحاجات، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي يدعو به [الداعي] لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث : (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء). وقيل المعنى : أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك وقيل: الأصل فيه الإمالة ومنه قوله تعالى { إنا هُدنا إليك} [الأعراف:156] أي ملنا، وخرج عليه السلام في مرضه يتهادى بين اثنين، أي يتمايل. ومنه الهدية لأنها تمال من مِلك إلى مِلك. ومنه الهدي للحيوان الذي يساق إلى الحرم، فالمعنى مل بقلوبنا إلى الحق. وقال الفضيل بن عياض { الصراط المستقيم} طريق الحج، وهذا خاص والعموم أولى. قال محمد ابن الحنفية في قوله عز وجل { اهدنا الصراط المستقيم} : هو دين الله الذي لا يقبل من العبادة غيره. وقال عاصم الأحول عن أبي العالية { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده. قال عاصم فقلت للحسن: إن أبا العالية يقول { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه قال : صدق ونصح. الثامنة والعشرون: أصل الصراط في كلام العرب الطريق، قال عامر بن الطفيل : شحنَّا أرضهم بالخيل حتى ** تركناهم أذل من الصراط وقال جرير : أمير المؤمنين على صراط ** إذا اعوج الموارد مستقيم وقال آخر : فصدّ عن نهج الصراط الواضح ** حكى النقّاش : الصراط الطريق بلغة الروم، فقال ابن عطية : وهذا ضعيف جدا. وقرئ : السراط بالسين من الاستراط بمعنى الابتلاع، كأن الطريق يسترط من يسلكه. وقرئ بين الزاي والصاد. وقرئ بزاي خالصة والسين الأصل. وحكى سلمة عن الفراء قال : الزراط بإخلاص الزاي لغة لعُذرة وكلب وبني القَيْن قال : وهؤلاء يقولون [في أصدق]: أزدق. وقد قالوا : الأزْد والأسْد، ولسق به ولصق به. و { الصراط} نصب على المفعول الثاني لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر، قال الله تعالى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23 ]. وبغير حرف كما في هذه الآية. { المستقيم} صفة لـ { الصراط} وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ومنه قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} [الأنعام: 153 ]. وأصله مستقوم، نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

الشيخ الشعراوي – فيديو

سورة الفاتـحة الايات 1 – 7

سورة الفاتحة الايات 5 – 7

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد أن آمنت بالله سبحانه وتعالى إلها وربا.. واستحضرت عطاء الألوهية ونعم الربوبية وفيوضات رحمة الله على خلقه. وأعلنت أنه لا إله إلا الله. وقولك: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي أن العبادة لله تبارك وتعالى لا نشرك به شيئا ولا نعبد إلا إياه.. وأعلنت انك ستستعين بالله وحده بقولك: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }. فانك قد أصبحت من عباد الله. ويعلمك الله سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه كل مؤمن.. ومادامت من عباد الله، فإن الله جل جلاله سيستجيب لك.. مصداقا لقوله سبحانه: {  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]. والمؤمن لا يطلب الدنيا أبدا.. لماذا؟.. لأن الحياة الحقيقية للانسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلا أن يرزقه الله مالا كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلا.. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل.. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله الى الجنة..ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب.. وهذا يستوجب الحمد لله.. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا.. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم.. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه.. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد..هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه.. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه.. ولكن هل كل من بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟.. نقول لا.. واقرأ قوله جل جلاله: {  وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [فصلت: 17].إذن هناك من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له.. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين.. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة.. ما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد الله الشرعي في كونه؟الذين اتبعوا طريق الهداية يعينهم الله سبحانه وتعالى عليه ويحببهم في الإيمان والتقوى ويحببهم في طاعته.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {  وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17].أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه.. ويزيده تقوى وحبا في الدين.. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه.. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى: {  وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36].والله سبحانه وتعالى قد بين لنا المحرومين من هداية المعونة على الايمان وهم ثلاثة كما بَيَّنْهُم لنا في القرآن الكريم: {  ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [النحل: 107]. {  ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108] {  أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258].إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الايمان.. هم الكافرون والفاسقون والظالمون.. الحق سبحانه وتعالى يقول: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ما هو الصراط؟.. إنه الطريق الموصلة الى الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم.. وهو أقصر الطرق الى تحقيق الغاية.. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما..ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي الى بُعد كبير..ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد.. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات.. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات.. إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا.. ولذلك فإن الدعاء: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات.. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى الغاية.. وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة.. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي. انه اذا قال العبد: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.يقول الحق تبارك وتعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ما معنى { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }؟.. اقرأ الآية الكريمة: {  وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [النساء: 69].وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. أي أنك تطلب من الله جل جلاله.. أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة.. فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة.. لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم.. وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه. والذي يوصلك في أسرع وقت الي الدرجة العالية في الآخرة.وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).. تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله. ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا.. ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى.. واذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى.. فكيف بنعم الآخرة؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها: {  لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35].أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ـ ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد.. ولذلك فانه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم.. وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا، ولكن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها.. فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه. فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن أخترع وصار له مفهوم محدد. تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها.. فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه. ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة واخرى. لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها..ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية، فإنه لا توجد الفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه اهل الجنة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب.. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط.ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في القرآن الكريم يقول: {  مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15].أي أن هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك الى الاذهان.. لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة.وقوله تعالى: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم }.. أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الاعانة.. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه.ومعنى غير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } أي يا رب لا تيسر لن الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل..وقد وردت كلمة { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } في القرآن الكريم في قوله تعالى: {  قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60].وهذه الآيات نزلت في بني اسرائيل.وقول الله تعالى: ” ولا الضالين ” هناك الضال والْمُضِل.. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله.. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله.. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل الى ما يريد أن يصل إليه.. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم.. هذا هو الضال.. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى.. بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضلالة.. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله.. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه.. الا المضل فانه يحمل ذنوبه وذنوب من اضلهم. مصداقا لقوله سبحانه: {  لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25].أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة.. فأنك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا.. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأتِ هنا بالمضلين. نقول انك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا.. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين. لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا.بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب.. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها.. أهي عربية أم غير عربية.وهنا يثور سؤال.. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه اذا خوطب به العرب فهموه.. وهناك الفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن.. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الاذان العربية..فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها.. وانما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعا. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي.. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف.. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة.. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل.. اذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل.. واذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة.. ولكن اذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل.. واذا قلت ” في ” دَلَّتْ على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد ان تقول الماء في الكوب.. أو فلان على الفرس.. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له.. والفعل يحتاج الي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج الي زمن..اذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه.. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه.. والحرف دل على معنى غير مستقل.. ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند اليه تاء الفاعل.. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم.. ولكن الاسم لا يضاف اليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت.. اذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج الى زمن.. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فانه يكون اسم على فعل.آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل.. معناه استجب.. فأنت حين تسمع كلمة ” آه ” انها اسم لفعل بمعنى أتوجع.. وساعة تقول ” أف ” اسم فعل بمعنى اتضجر.. وآمين اسم فعل بمعنى استجب.. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين.. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي.. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فانك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. واذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الامام وهو يقرأ الفاتحة.. ثم تقول آمين. لأن المأموم أحد الداعين.. الذي دعا هو الامام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء.. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على اموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى: {  قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [يونس: 89].أي أن الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجهٌ الى موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا.. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء.

لمسات بيانية – للدكتور / فاضل صالح السامرائي

( اهدنا الصراط المستقيم )
هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على أهمية الطلب وهذا الدعاء لان له أثره في الدنيا والآخرة ويدل على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. إذا ترك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم وبما أن هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)
والهداية : هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل ” اهدنا الصراط المستقيم ” (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الأعراف 43) (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات آية 17)

ذكر أهل اللغة أن الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه أن التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا ” هديته الطريق ” قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) أبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق ، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (إبراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
التعدية باللام وإلى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) (يونس آية 35)
وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج الى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخص ما سبق على النحو التالي:
-إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
-إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه .
-إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام .

الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن لان الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الإسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35)
قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
– (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدى) (يونس آية 35)
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل إلى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات ، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
– (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة آية 16)
استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بإلى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى)
نعود إلى الآية ” اهدنا الصراط المستقيم ” (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.

وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه إيانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم بـ ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تقيد الاختصاص ولا يجوز أن نقول إيانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي أحداً غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
فلم قال ( اهدنا ) ولم يقل اهدني؟
لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً.
فيه إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب ، فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.

لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم ) فيه شيء من التثبيت والاستئناس ، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال ( إياك نعبد وإياك نستعين )فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق أو السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين ، أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة ” الصراط ” تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف : الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).

اسباب النزول – أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي

القولُ في آية التسمية وبيان نزولها
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري، حدَّثنا محمد بن يحيى بن مَنْدَه، حدَّثنا أبو كُرَيْب، حدَّثنا عثمان بن سعيد، حدَّثنا بشر بن عمارة عن أبي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس، أنه قال:
أول ما نزلَ به جبريل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: يا محمد استعذ ثم قل: { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق، حدَّثنا إسماعيل بن أحمد الخلاَّلي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب. حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال:
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن علي الذُّهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي، عن عبد الله بن أبي حسين، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال:
كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الْحَرشِيّ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا محمد بن عيسى بن أبي فُدَيْك، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال:
نزلت { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} . في كل سورة.
القول في سورة الفاتحة
اختلفوا فيها: فعند الأكثرين: هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي؛ حدَّثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قالا: حدَّثنا يحيى بن [أبي] بكير، حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مَيْسَرَة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك. قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله أشهد وأن محمداً رسول الله، ثم قال: قل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
وهذا قول علي بن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر، قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المَرْوَزِيّ، حدَّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدَّثنا أبو يحيى القَصْرِي، حدَّثنا مروان بن معاوية عن العلاء بن المسيب، عن الفضيل بن عمرو، عن علي بن أبي طالب قال:
نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
وبهذا الإسناد عن السعدي: حدَّثنا عمرو بن صالح، حدثنا أبي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. فقالت قريش: دَقَّ الله فاك أو نحو هذا، قاله الحسن وقتادة.
وعند مجاهد: أن الفاتحة مدنية. قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة، وهذه بادرة من مجاهد؛ لأنه تفرد بهذا القول، والعلماء على خلافه. ومما يقطع به على أنها مكيه قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ} يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا يحيى بن أيوب، حدَّثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أُمَّ القرآن فقال: والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلَها، إنها لَهِيَ السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
وسورة “الحجر” مكية بلا اختلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة. ولا يسعنا القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب. هذا مما لا تقبله العقول.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

6 الفاتحة *أضغط هنا لعرض كامل السورة

تفسير بن كثير

لما تقدم الثناء على المسئول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسئوله ثم يسأل حاجته، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة ولهذا أرشد اللّه إليه لأنه الأكمل. والهداية ههنا: الإرشاد والتوفيق وقد تُعدَّى بنفسها { اهدنا الصراط} وقد تعدى بإلى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وقد تُعدى باللام { الحمد للّه الذي هدانا لهذا} أي وفقنا وجعلنا له أهلا، وأمّا { الصراط المستقيم} فهو في لغة العرب: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السلف الخلف في تفسير { الصراط} ، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة للّه وللرسول فروي أنه كتاب اللّه، وقيل: إنه الإسلام، قال ابن عباس: هو دين اللّه الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن الحنفية: هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث “”النواس بن سمعان””عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويْحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود اللّه، والأبواب المفتحة محارم اللّه وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب اللّه، والداعي من فوق الصراط واعظ اللّه في قلب كل مسلم “”رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي””وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الحق، وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، قال ابن جرير رحمه اللّه والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وُفِّق لما وفِّق له من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام. فإن قيل : فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك؟ فالجواب: أن العبد مفتقر في كل ساعةٍ وحالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراره عليها، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان: { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله} ، والمراد الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم.

تفسير الجلالين

ما معنى كلمة ثقلت موازينه

{ اهدنا الصراط المستقيم } أي أرشدنا إليه، ويبدَل منه:

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَمَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس. 146 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” , يَقُول : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ . وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ هُوَ تَوْفِيقه لَهُ كَاَلَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيله . وَمَعْنَاهُ نَظِير مَعْنَى قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } فِي أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَإِصَابَة الْحَقّ وَالصَّوَاب فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ دُون مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَاله وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَف مِنْ عُمُرِهِ , كَمَا فِي قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاء مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَته فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُد وَحْدك لَا شَرِيك لَك , مُخْلِصِينَ لَك الْعِبَادَة دُون مَا سِوَاك مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتك , وَوُفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِك وَأَهْل طَاعَتك مِنْ السَّبِيل وَالْمِنْهَاج. فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَنَّى وَجَدْت الْهِدَايَة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى التَّوْفِيق ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامهَا أَكْثَر وَأَظْهَر مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ اللَّهُ مَسْأَلَتِي وَلَا أَكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَك اللَّه لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَك اللَّه لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي أَمْرِي. وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } فِي غَيْر آيَة مِنْ تَنْزِيله . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّن لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيع الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقه ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ , أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ , وَلَا يَشْرَح لِلْحَقِّ وَالْإِيمَان صُدُورهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اِهْدِنَا } زِدْنَا هِدَايَة . وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْل مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون قَائِله قَدْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان , أَوْ الزِّيَادَة فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَة فِي الْبَيَان فَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّف عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضه إِلَّا بَعْد تَبْيِينه لَهُ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَته الْبَيَان , لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يُبَيِّن لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ مِنْ الدُّعَاء خُلْف ; لِأَنَّهُ لَا يَفْرِض فَرْضًا إِلَّا مُبَيِّنًا لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ , أَوْ يَكُون أُمِرَ أَنْ يَدْعُو رَبّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِ الْفَرَائِض الَّتِي لَمْ يَفْرِضهَا . وَفِي فَسَاد وَجْه مَسْأَلَة الْعَبْد رَبَّهُ ذَلِكَ مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } غَيْر مَعْنَى بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَك وَحُدُودَك , أَوْ يَكُون ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبّه الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَة وَالتَّوْفِيق . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ تَخْلُو مَسْأَلَته تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ أَنْ تَكُون مَسْأَلَة لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَله , أَوْ عَلَى مَا يَحْدُث . وَفِي اِرْتِفَاع حَاجَة الْعَبْد إِلَى الْمَعُونَة عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَله مَا يُعْلَم أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَة تِلْكَ الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَته الزِّيَادَة لِمَا يَحْدُث مِنْ عَمَله. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَارَ الْأَمْر إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه التَّوْفِيق لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمُرِهِ . وَفِي صِحَّة ذَلِكَ فَسَاد [ قَوْل ] أَهْل الْقَدَر الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلّ مَأْمُور بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّف فَرْضًا , فَقَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْمَعُونَة عَلَيْهِ مَا قَدْ اِرْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْض حَاجَته إِلَى رَبّه ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَفِي صِحَّة مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَسَاد قَوْلهمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } : أَسْلِكْنَا طَرِيق الْجَنَّة فِي الْمَعَاد , أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم } 37 23 أَيْ أَدْخِلُوهُمْ النَّار ; كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَة إِلَى زَوْجهَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تَدْخُل إِلَيْهِ , وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّة إِلَى الرَّجُل , وَكَمَا تَهْدِي السَّاق الْقَدَم ; نَظِير قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد : لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُول بِهِ وَجَرَى فِي رَوْنَق رِهَمُهْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيش بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ أَيْ تَرِد بِهِ الْمَوَارِد . وَفِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ هَذَا التَّأْوِيل مَعَ شَهَادَة الْحُجَّة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَته ; وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ” الصِّرَاط ” فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ قَوْله : { إِيَّاكَ نَسْتَعِين } مَسْأَلَة الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَة عَلَى عِبَادَته , فَكَذَلِكَ قَوْله ” اِهْدِنَا ” , إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَة الثَّبَات عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ . وَالْعَرَب تَقُول : هَدَيْت فُلَانًا الطَّرِيق , وَهَدَيْته لِلطَّرِيقِ , وَهَدَيْته إِلَى الطَّرِيق : إِذَا أَرْشَدْته إِلَيْهِ وَسَدَّدْته لَهُ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { اِجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } 16 121 وَقَالَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } وَكُلّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقهَا مَوْجُود فِي كَلَامهَا , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ يُرِيد : أَسْتَغْفِر اللَّه لِذَنْبٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } 40 55 وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْل الْوَنَى وَالْأَشْعَبَ النَّبَّاحَا يُرِيد : فَيَصِيد لَنَا . وَذَلِكَ كَثِير فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ , وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَة. الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَة جَمِيع الْعَرَب ; فَمِنْ ذَلِكَ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة الْخَطَفِيّ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ يُرِيد عَلَى طَرِيق الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ أَبِي ذُؤَيْب : صَبَحْنَا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهَا أَدَقَّ مِنْ الصِّرَاطِ وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : فَصُدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَمَّا تَرَكْنَا . ثُمَّ تَسْتَعِير الْعَرَب الصِّرَاط فَتَسْتَعْمِلهُ فِي كُلّ قَوْل وَعَمَل وُصِفَ بِاسْتِقَامَةٍ أَوْ اِعْوِجَاج , فَتَصِف الْمُسْتَقِيم بِاسْتِقَامَتِهِ , وَالْمُعْوَجّ بِاعْوِجَاجِهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة عِنْدِي , أَعْنِي : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } أَنْ يَكُونَا مَعْنِيًّا بِهِ : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا اِرْتَضَيْته وَوَفَّقْت لَهُ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ مِنْ عِبَادك , مِنْ قَوْل وَعَمَل . وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ لِمَا وُفِّقَ لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء , فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ , وَتَصْدِيق الرُّسُل , وَالتَّمَسُّك بِالْكِتَابِ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ , وَاتِّبَاع مَنْهَج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهَاج أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَكُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح . وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم. وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَة الْقُرْآن فِي الْمَعْنِيّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم , يَشْمَل مَعَانِي جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِيهِ. وَمِمَّا قَالَتْهُ فِي ذَلِكَ , مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَذَكَر الْقُرْآن فَقَالَ : ” هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ” . 147 – حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ اِبْن أَخِي الْحَارِث , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * – وَحَدَّثَنَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي كَرِيمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * – وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة الزَّيَّات , عَنْ أَبِي الْمُخْتَار الطَّائِيّ , عَنْ ابْن أَخِي الْحَارِث الْأَعْوَر , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ” الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه تَعَالَى “. 148 – حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الرَّازِيّ , قَالَ. حَدَّثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم كِتَاب اللَّه ” . 149 – حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ وَالْحَسَن اِبْنَا صَالِح جَمِيعًا , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام , قَالَ : هُوَ أَوْسَع مِمَّا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . 150 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرِيل لِمُحَمَّدٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد : اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , يَقُول أَلْهِمْنَا الطَّرِيق الْهَادِي وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا عِوَج لَهُ . 151 -وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَوْف , عَنْ الْفُرَات بْن السَّائِب , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : ذَلِكَ الْإِسْلَام. 152 – وَحَدَّثَنِي مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة الْكِلَابِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق , عَنْ أَبِي عُمَر الْبَزَّار , عَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. 153 – وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن طَلْحَة الْقَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ الْإِسْلَام . 154 – وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الطَّرِيق . 155 – حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَبُو صُدَيْف الْآمِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَة بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده : أَبُو بَكْر وَعُمَر . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَة وَنَصَحَ . 156 -وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : { اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم } قَالَ : الْإِسْلَام. 157 – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “. وَالصِّرَاط : الْإِسْلَام. * – حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَوَّاس بْن سِمْعَان الْأَنْصَارِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا وَصَفَهُ اللَّه بِالِاسْتِقَامَةِ , لِأَنَّهُ صَوَاب لَا خَطَأ فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ سَمَّاهُ مُسْتَقِيمًا لِاسْتِقَامَتِهِ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّة , وَذَلِكَ تَأْوِيل لِتَأْوِيلِ جَمِيع أَهْل التَّفْسِير خِلَاف , وَكَفَى بِإِجْمَاعِ جَمِيعهمْ عَلَى خِلَافه دَلِيلًا عَلَى خَطَئِهِ .’

تفسير القرطبي

السابعة والعشرون: قوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم} اهدنا دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك. قال بعض العلماء : فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعا في هذه السورة، نصفها فيه مجمع الثناء ونصفها فيه مجمع الحاجات، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي يدعو به [الداعي] لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث : (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء). وقيل المعنى : أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك وقيل: الأصل فيه الإمالة ومنه قوله تعالى { إنا هُدنا إليك} [الأعراف:156] أي ملنا، وخرج عليه السلام في مرضه يتهادى بين اثنين، أي يتمايل. ومنه الهدية لأنها تمال من مِلك إلى مِلك. ومنه الهدي للحيوان الذي يساق إلى الحرم، فالمعنى مل بقلوبنا إلى الحق. وقال الفضيل بن عياض { الصراط المستقيم} طريق الحج، وهذا خاص والعموم أولى. قال محمد ابن الحنفية في قوله عز وجل { اهدنا الصراط المستقيم} : هو دين الله الذي لا يقبل من العبادة غيره. وقال عاصم الأحول عن أبي العالية { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده. قال عاصم فقلت للحسن: إن أبا العالية يقول { الصراط المستقيم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه قال : صدق ونصح. الثامنة والعشرون: أصل الصراط في كلام العرب الطريق، قال عامر بن الطفيل : شحنَّا أرضهم بالخيل حتى ** تركناهم أذل من الصراط وقال جرير : أمير المؤمنين على صراط ** إذا اعوج الموارد مستقيم وقال آخر : فصدّ عن نهج الصراط الواضح ** حكى النقّاش : الصراط الطريق بلغة الروم، فقال ابن عطية : وهذا ضعيف جدا. وقرئ : السراط بالسين من الاستراط بمعنى الابتلاع، كأن الطريق يسترط من يسلكه. وقرئ بين الزاي والصاد. وقرئ بزاي خالصة والسين الأصل. وحكى سلمة عن الفراء قال : الزراط بإخلاص الزاي لغة لعُذرة وكلب وبني القَيْن قال : وهؤلاء يقولون [في أصدق]: أزدق. وقد قالوا : الأزْد والأسْد، ولسق به ولصق به. و { الصراط} نصب على المفعول الثاني لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر، قال الله تعالى { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23 ]. وبغير حرف كما في هذه الآية. { المستقيم} صفة لـ { الصراط} وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ومنه قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} [الأنعام: 153 ]. وأصله مستقوم، نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

الشيخ الشعراوي – فيديو

سورة الفاتـحة الايات 1 – 7

سورة الفاتحة الايات 5 – 7

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد أن آمنت بالله سبحانه وتعالى إلها وربا.. واستحضرت عطاء الألوهية ونعم الربوبية وفيوضات رحمة الله على خلقه. وأعلنت أنه لا إله إلا الله. وقولك: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي أن العبادة لله تبارك وتعالى لا نشرك به شيئا ولا نعبد إلا إياه.. وأعلنت انك ستستعين بالله وحده بقولك: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }. فانك قد أصبحت من عباد الله. ويعلمك الله سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه كل مؤمن.. ومادامت من عباد الله، فإن الله جل جلاله سيستجيب لك.. مصداقا لقوله سبحانه: {  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]. والمؤمن لا يطلب الدنيا أبدا.. لماذا؟.. لأن الحياة الحقيقية للانسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلا أن يرزقه الله مالا كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلا.. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل.. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله الى الجنة..ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب.. وهذا يستوجب الحمد لله.. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا.. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم.. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه.. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد..هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه.. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه.. ولكن هل كل من بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟.. نقول لا.. واقرأ قوله جل جلاله: {  وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [فصلت: 17].إذن هناك من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له.. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين.. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة.. ما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد الله الشرعي في كونه؟الذين اتبعوا طريق الهداية يعينهم الله سبحانه وتعالى عليه ويحببهم في الإيمان والتقوى ويحببهم في طاعته.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {  وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17].أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه.. ويزيده تقوى وحبا في الدين.. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه.. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى: {  وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36].والله سبحانه وتعالى قد بين لنا المحرومين من هداية المعونة على الايمان وهم ثلاثة كما بَيَّنْهُم لنا في القرآن الكريم: {  ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [النحل: 107]. {  ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [المائدة: 108] {  أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258].إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الايمان.. هم الكافرون والفاسقون والظالمون.. الحق سبحانه وتعالى يقول: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ما هو الصراط؟.. إنه الطريق الموصلة الى الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم.. وهو أقصر الطرق الى تحقيق الغاية.. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما..ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي الى بُعد كبير..ويكفي أن تراقب قضبان السكة الحديد.. عندما يبدأ القطار في اتخاذ طريق غير الذي كان يسلكه فهو لا ينحرف في أول الأمر إلا بضعة ملليمترات.. أي أن أول التحويلة ضيق جدا وكلما مشيت اتسع الفرق وازداد اتساعا. بحيث عند النهاية تجد أن الطريق الذي مشيت فيه يبعد عن الطريق الأول عشرات الكيلو مترات وربما مئات الكيلو مترات.. إذن فأي انحراف مهما كان بسيطا يبعدك عن الطريق المستقيم بعدا كبيرا.. ولذلك فإن الدعاء: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات.. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.لذلك فإن الإنسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى الغاية.. وما هي الغاية؟ انها الجنة والنعيم في الآخرة.. ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها.ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي. انه اذا قال العبد: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.يقول الحق تبارك وتعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ما معنى { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }؟.. اقرأ الآية الكريمة: {  وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [النساء: 69].وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. أي أنك تطلب من الله جل جلاله.. أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة.. فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة.. لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم.. وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه. والذي يوصلك في أسرع وقت الي الدرجة العالية في الآخرة.وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).. تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله. ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا.. ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى.. واذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى.. فكيف بنعم الآخرة؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها: {  لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35].أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ـ ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد.. ولذلك فانه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم.. وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا، ولكن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها.. فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه. فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن أخترع وصار له مفهوم محدد. تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها.. فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه. ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة واخرى. لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها..ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية، فإنه لا توجد الفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه اهل الجنة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب.. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط.ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في القرآن الكريم يقول: {  مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15].أي أن هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك الى الاذهان.. لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة.وقوله تعالى: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم }.. أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الاعانة.. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه.ومعنى غير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } أي يا رب لا تيسر لن الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل..وقد وردت كلمة { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } في القرآن الكريم في قوله تعالى: {  قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60].وهذه الآيات نزلت في بني اسرائيل.وقول الله تعالى: ” ولا الضالين ” هناك الضال والْمُضِل.. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله.. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله.. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل الى ما يريد أن يصل إليه.. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم.. هذا هو الضال.. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى.. بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضلالة.. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله.. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه.. الا المضل فانه يحمل ذنوبه وذنوب من اضلهم. مصداقا لقوله سبحانه: {  لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25].أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة.. فأنك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا.. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأتِ هنا بالمضلين. نقول انك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا.. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين. لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا.بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب.. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها.. أهي عربية أم غير عربية.وهنا يثور سؤال.. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه اذا خوطب به العرب فهموه.. وهناك الفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن.. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الاذان العربية..فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها.. وانما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعا. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي.. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف.. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة.. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل.. اذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل.. واذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة.. ولكن اذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل.. واذا قلت ” في ” دَلَّتْ على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد ان تقول الماء في الكوب.. أو فلان على الفرس.. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له.. والفعل يحتاج الي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج الي زمن..اذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه.. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه.. والحرف دل على معنى غير مستقل.. ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند اليه تاء الفاعل.. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم.. ولكن الاسم لا يضاف اليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت.. اذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج الى زمن.. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فانه يكون اسم على فعل.آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل.. معناه استجب.. فأنت حين تسمع كلمة ” آه ” انها اسم لفعل بمعنى أتوجع.. وساعة تقول ” أف ” اسم فعل بمعنى اتضجر.. وآمين اسم فعل بمعنى استجب.. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين.. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي.. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فانك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. واذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الامام وهو يقرأ الفاتحة.. ثم تقول آمين. لأن المأموم أحد الداعين.. الذي دعا هو الامام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء.. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على اموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى: {  قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [يونس: 89].أي أن الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجهٌ الى موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا.. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء.

لمسات بيانية – للدكتور / فاضل صالح السامرائي

( اهدنا الصراط المستقيم )
هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على أهمية الطلب وهذا الدعاء لان له أثره في الدنيا والآخرة ويدل على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. إذا ترك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم وبما أن هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)
والهداية : هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل ” اهدنا الصراط المستقيم ” (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الأعراف 43) (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات آية 17)

ذكر أهل اللغة أن الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه أن التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا ” هديته الطريق ” قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) أبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق ، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (إبراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
التعدية باللام وإلى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) (يونس آية 35)
وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج الى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخص ما سبق على النحو التالي:
-إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
-إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه .
-إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام .

الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن لان الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الإسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35)
قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
– (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدى) (يونس آية 35)
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل إلى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات ، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
– (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة آية 16)
استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بإلى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى)
نعود إلى الآية ” اهدنا الصراط المستقيم ” (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.

وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه إيانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم بـ ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تقيد الاختصاص ولا يجوز أن نقول إيانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي أحداً غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
فلم قال ( اهدنا ) ولم يقل اهدني؟
لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً.
فيه إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب ، فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.

لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم ) فيه شيء من التثبيت والاستئناس ، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال ( إياك نعبد وإياك نستعين )فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق أو السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين ، أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة ” الصراط ” تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف : الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).

اسباب النزول – أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي

القولُ في آية التسمية وبيان نزولها
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري، حدَّثنا محمد بن يحيى بن مَنْدَه، حدَّثنا أبو كُرَيْب، حدَّثنا عثمان بن سعيد، حدَّثنا بشر بن عمارة عن أبي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس، أنه قال:
أول ما نزلَ به جبريل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: يا محمد استعذ ثم قل: { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا أبو عبد الله بن [أبي] إسحاق، حدَّثنا إسماعيل بن أحمد الخلاَّلي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب. حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال:
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا إبراهيم بن علي الذُّهلي، حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي، عن عبد الله بن أبي حسين، ذكر عن عبد الله بن مسعود قال:
كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} .
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الْحَرشِيّ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا محمد بن عيسى بن أبي فُدَيْك، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال:
نزلت { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} . في كل سورة.
القول في سورة الفاتحة
اختلفوا فيها: فعند الأكثرين: هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن.
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي؛ حدَّثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قالا: حدَّثنا يحيى بن [أبي] بكير، حدَّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مَيْسَرَة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك. قال: فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله أشهد وأن محمداً رسول الله، ثم قال: قل: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
وهذا قول علي بن أبي طالب.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر، قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المَرْوَزِيّ، حدَّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدَّثنا أبو يحيى القَصْرِي، حدَّثنا مروان بن معاوية عن العلاء بن المسيب، عن الفضيل بن عمرو، عن علي بن أبي طالب قال:
نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
وبهذا الإسناد عن السعدي: حدَّثنا عمرو بن صالح، حدثنا أبي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. فقالت قريش: دَقَّ الله فاك أو نحو هذا، قاله الحسن وقتادة.
وعند مجاهد: أن الفاتحة مدنية. قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة، وهذه بادرة من مجاهد؛ لأنه تفرد بهذا القول، والعلماء على خلافه. ومما يقطع به على أنها مكيه قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ} يعني الفاتحة.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدَّثنا يحيى بن أيوب، حدَّثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أُمَّ القرآن فقال: والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلَها، إنها لَهِيَ السبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
وسورة “الحجر” مكية بلا اختلاف، ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة. ولا يسعنا القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب. هذا مما لا تقبله العقول.


موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع
حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد
عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.

حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر

مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية

تطوير مجموعة زاد


الأديان والمعتقدات
الإســلام

ما معنى كلمة ثقلت موازينه
ما معنى كلمة ثقلت موازينه
0

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *